فينيسيا الـ80: جواهر في مُسابقة “كلاسيكيات فينيسيا”
فينيسيا – محمد هاشم عبد السلام
من الفعاليات المُهمة للغاية في “مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي” (30 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2023) والتي يحرص المهرجان على إقامتها منذ عقد تقريبًا، إذ انطلقت عام 2012، فعالية أو مُسابقة “كلاسيكيات فينيسيا”. وهي للأسف من الفعاليت المنسية أو التي لا يُلتفت إليها كثيرًا، رغم فرادتها اللافتة، ورسوخها مع كل دورة. تعرض التظاهرة الكلاسيكيات القديمة لعدد من الأفلام المشهودة في تاريخ السينما من ناحية. ومجموعة من الأفلام الجديدة أو الحديثة التي أنتجت عن فن وصناعة السينما، أو عن أعمال كبار المخرجين من ناحية أخرى.
يُقدم القسم العروض العالمية الأولى لمجموعة مُختارة من أفضل الأفلام الكلاسيكية التي تم ترميمها أو استعادتها أو تصحيحها أو نقلها وتحويلها إلى وسائط أخرى، 4 كيه مثلا. وذلك بالتعاون مع أهم وأكبر مؤسسات الأرشفة والترميم في أوروبا والعالم. وعلى رأسها “سينماتيك بولونيا” الشهير عالميًا في مجل الترميم والأرشفة ومهرجان الأفلام المُستعادة، ودار “المحفوظات السينمائية” الإيطالية، و”مدينة السينما” في روما، وغيرها من المؤسسات الثقافية، وشركات الإنتاج في مختلف أنحاء العالم.
وقد اختار المدير الفني لمهرجان فينيسيا ألبرتو باربيرا، الناقد الإيطالي فيديريكو جيروني للإشراف على القسم هذا العام في دورته الثمانين، وتقديم مجموعة مُختارة من الأفلام الوثائقية الجديدة حول السينما أو صُناعها. وكذلك الإشراف على عقد فعالية مُسابقة “كلاسيكيات فينيسيا”.
تأسست مُسابقة “كلاسيكيات فينيسيا” قبل عشر سنوات على وجه التحديد. سيترأس لجنة تحكيم مسابقة هذا العام المخرج وكاتب السيناريو الإيطالي أندريا بالورو. وتتكون لجنة التحكيم من 24 طالبًا من طلاب السينما الإيطاليين المُوصى بهم من قبل أساتذة الدراسات السينمائية في مُختلف الجامعات الإيطالية. تمنح اللجنة جوائزها السنوية إلى الكلاسيكات المعروضة داخل المسابقة. إحداها جائزة “أفضل فيلم مُستعاد”، والأخرى جائزة “أفضل وثائقي عن السينما”، وذلك من بين 19 فيلمًا روائيًا طويلا مُرممًا هذا العام. و9 أفلام وثائقية عن السينما أو عن عظماء السينما، مثل ألفريد هيتشكوك، وميشال جوندري، وداريو أرجينتو، وفرانك كابرا، وجوزيبي دي سانتس، وأندي كاوفمان.
على مدى السنوات السابقة عرضت الفعالية الكثير جدًا من الأفلام من مختلف الأنواع والتيارات. واكتَشَفَت روائع منسية فعلا أو عُرِضَت أخرى بشكلها الكامل، لأول مرة، وفقًا لرؤية مخرجها، أو قبل أعمال الحذف أو الرقابة إلخ. كما احتفت التظاهرة بالكثير من صُناع السينما المعروفين أو المجهولين فعلا. ومن بين الروائع التي ستُعرض ضمن كلاسيكيات هذا العام فيلم “المخلوقات” لأنييس فاردا (مُسابقة مهرجان فينيسيا عام 1966)، وفيلم “أيام السماء” لتيرينس ماليك، وفيلم “ملك وبلد” لجوزيف لوزي، و”ظلال الأسلاف المنسيين” لسيرجي بارادجانوف.
ومن بين التُحف التي ستُعرض بعد استعادتها النسخة التي أشرف عليها بنفسه فرنسيس كوبولا لفيلم “واحد من القلب” (1982). وفيلم “أندريه روبليف” (1966) تحفة أندريه تاركوفسكي التي منعت وقت ظهورها، وسيعرض المهرجان النسخة الكاملة.
مخلوقات – أنييس فاردا
وبمناسبة مرور الذكرى المئوية هذا العام، 2023، لكل من وارنر بروذرز وديزني، يعرض المهرجان فيلم الرعب الشهير “طارد الأروح الشريرة” لوليام فريدكن، الراحل مُؤخرًا. وذلك بعد خمسين عامًا من إنتاجه، في نسخة مُرممة حديثًا. وضمن كلاسيكيات المُسابقة هناك أيضًا فيلم الإيراني أمير ناديري “هارمونيكا”، وهو من أفلامه الأولى.
في فبراير الماضي، فقدت السينما العالمية أحد أعظم المُخرجين الإسبانيين، كارلوس ساورا. سيعرض المهرجان النسخة المُستعادة من أحد أفلامه الأولى، “الصيد”، الحاصل على جائزة “مهرجان برلين السينمائي” عام 1965. وهناك احتفاء آخر بأحد أعلام السينما الإيطالية، المخرج روجيرو ديوداتو، الذي وافته المنية في ديسمبر العام الماضي، مع استعادة أحد أجمل أفلامه. كما سيحتفل المهرجان بذكرى النجمة الايطالية آنا مانياني، التي غادرت عالمنا قبل خمسين عامًا. بهذه المناسبة، سيعرض المهرجان نسخة مُرممة مُستعادة ومُحولة إلى 4k من الفيلم الشهير “رائعة الجمال” (1953) للوكينو فيسكونتي. وبمناسبة الذكرى السنوية الـ120 لميلاد الياباني الكبير ياسوجيرو أوزو، سيعرض كلاسيكيات فينيسيا فيلمًا نادرًا له، في نسخة كاملة غير محذوفة، “كان هناك أب” (1942).
وطبقًا للتقليد البديع الذي يتفرد به مهرجان فينينسيا عن غيره، منذ سنوات بعيدة، سيعرض قبل يوم على الافتتاح الرسمي للمهرجان، إحدى التُحف المنسية بعنوان “الزوجة الضالة”. العام الماضي عرض المهرجان الأميركي الكلاسيكي الصامت “ستيلا دالاس” (1925) لهنري كينج. ويعود الفضل في ترميم وطباعة وعرض هذه النسخة إلى “متحف الفن الحديث” في نيويورك، بالتعاون مع “مُؤسسة الفيلم” التي يشرف عليها مارتن سكورسيزي.
فيلم “الزوجة الضالة” بطولة جينا لولوبريجيدا، للايطالي ماريو سولداتي. ومأخوذ عن رواية لألبرتو مورافيا، عن فتاة صغيرة تدعى “جيما” (جينا لولو بريجيدا) تتزوج على نحو مُتهور بأستاذ علوم مرموق، وسرعان ما يصيبها الملل. يسبق عرض الفيلم، عرض آخر قصير بعنوان “بورتريه لجينا” (1958) لأورسون ويلز، 27 دقيقة. كان ويلز قد أجرى مقابلة مُصَوَّرة مع لولوبريجيدا في فيلتها في روما، في سياق التحضير لمسلسل تلفزيوني لحساب شبكة ABC الأمريكية، بعنوان “حول العالم مع أورسون ويلز”، إلا أن الشبكة رفضت إكمال المشروع.
وبعد وفاة أورسون ويلز عرض مهرجان فينيسيا الفيلم لأول مرة. والمُثير للاهتمام أنه عندما عرض الفيلم عام 1986 لم يُعجب جينا، بل وحاولت حظره. الفيلم، بحسب أورسون ويلز، “مقالة شخصية عن لولوبريجيدا”. تم ترميم الفيلم من قبل “متحف ميونيخ السينمائي” و”مدينة السينما” في روما، و”أرشيف الفيلم الايطالي” في روما، الذي يقيم أيضًا معرضًا تكريميًا لصور جينا النادرة بعنوان “عوالم جينا” بالاشتراك مع وزارة الثقافة الإيطالية.
يُذكر أن الفيلمين يُعرضان في إطار احتفاء مهرجان فينيسيا السينمائي بذكرى الأيقونة الإيطالية جينا لولوبريجيدا، التي رحلت في يناير الماضي عن 95 عامًا.
إرسال تعليق